ماذا لو لم يكن هناك كذب؟

 

ماذا لو لم يكن هناك كذب؟

الكذب، رغم أنه خيانة للحقيقة، يظل جزءًا من النسيج الإنساني. لكن ماذا لو محي من حياتنا تمامًا، وصار البشر عاجزين عن قول غير الحقيقة؟

عالم بلا أقنعة

في البداية يبدو الأمر مثاليًا: لا خداع في السياسة، لا وعود كاذبة في الحب، لا دعاية مضللة في الأسواق. كل كلمة صادقة، كل نية مكشوفة. سيعرف الحاكم أن كذبه لن يمر، وسيعرف الحبيب أن مشاعره مكشوفة ككتاب مفتوح.

انهيار العلاقات

لكن الحقيقة المطلقة قد تكون أقسى من الكذب. هل يمكن أن تستمر علاقة حب إذا قال أحدهما للآخر كل شكّ وكل ضعف؟ هل ستبقى الصداقة إذا عرفنا كل ما يُقال في الغياب؟ الكذب ـ ولو كان أبيض ـ يلطّف قسوة العيش، وبدونه قد تصبح العلاقات الإنسانية جافة وصادمة.

السياسة والاقتصاد

في السياسة، ستنهار الحملات الانتخابية المبنية على وعود مثالية. لن يبقى مكان للدبلوماسية، التي تقوم في جوهرها على إخفاء بعض الحقائق. أما الاقتصاد فسيفقد جزءًا من بريقه: كيف تُسوَّق سلعة إذا قيلت الحقيقة كاملة عن عيوبها؟

البعد الأخلاقي والفلسفي

السؤال هنا: هل الصدق دائمًا فضيلة مطلقة؟ أم أن الحياة تحتاج إلى مساحات من "الزيف الرحيم" كي تستمر؟ ربما الكذب ليس مجرد خطيئة، بل انعكاس لهشاشتنا الإنسانية.

الفلسفة تقول: لا قيمة للصدق إن لم يكن هناك كذب ليكشف معناه.

ختاما

عالم بلا كذب ليس فردوسًا، بل جحيمًا من الحقائق القاسية. فالكذب، وإن كان ظلاً للصدق، هو جزء من اللعبة الوجودية التي تمنح الحياة مرونتها. ربما نحن لا نكذب لأننا أشرار، بل لأننا بشر.


زوربا السوري

Post a Comment

أحدث أقدم